قل الغزو العربي ولا تقل الفتح الإسلامي لمصر
في المناهج المدرسية التي وضعها الرجعي بطبعه لأطفاله يوصف دخول مصر من الغزاة العرب والفاطميين والأتراك العثمانيين بالفتح لا الغزو ولا الاحتلال، وقد يبحث البعض في الأصول المعجمية للكلمات، أو يزعم أنه لا فرق في استعمال كل منها، والمناهج نفسها لا تصف دخول الهكسوس والرومان والفرنسيين والإنجليز مصر إلا بالغزو والاحتلال.
وينفي حَمَلَة العقل الرجعي الانتشار بحد السيف عن الإسلام، ويقولون إن أجزاء كبيرة من آسيا وإفريقيا انتشر الإسلام فيها بدون غزو وقتال، ويضيق المجال عن ذكر عوامل عديدة لهذا الانتشار كإقناع بعض الحكام المحليين، أو ضمن صراعاتهم البينية، المهم أن تلك الحجة تؤيد وجهة نظرنا، أن الدين _أي دين_ هو أساسًا مجموعة معتقدات إيمانية، ولا حاجة للغزو والاحتلال في سبيل نشره، الأفكار يمكنها دائمًا الانتشار بلا قوة عسكرية، وقد انتشرت المسيحية بين مواطني الدولة الرومانية رغم الاضطهاد حتى اعتنقها الامبراطور قسطنطين نفسه، هنا اقترنت الفكرة بالقوة.
لم يكن غزو البلاد _بما فيها مصر_ واحتلالها وضمها للكيان الرجعي لأجل الإنسانية ولا لتحسين الواقع الإنساني، كانت وراء الغزو والاحتلال العوامل التاريخية التي يجوز وصفها بالمعتادة، وأهمها الطمع في ثروات البلاد المحتلة، وربما أيضًا شغل قبائل شبه الجزيرة العربية عن النزاعات الداخلية بتوحيدهم في عمل عسكري ضد الآخرين، كان الدين وسيلة وغطاء أخلاقي يطلق على الغزوات مصطلح الجهاد في سبيل الله ويسمي الاحتلال فتحًا والثروات المنهوبة غنائم، واتجهت جيوش الغزاة للشمال الإفريقي ووسط أسيا وأوروبا وتجاهلت إفريقيا السوداء؛ رغم أنها أسهل وأقرب؛ بل إن الأديان التي بها تجعل أهلها أحوج للهداية إلى عبادة الله الواحد الأحد. لكن المسألة هي الغزو والاحتلال بالعوامل والدوافع البشرية ككل الإمبراطوريات والغزاة، وفي حديث تنسبه الرجعية الدينية للرسول دعوة للغزو من أجل الحصول على: "بنات الأصفر"، وفضلًا عن الفقر في إفريقيا، فلا شك أن دوافع الغزاة في الحصول على نساء أوروبيات أكبر من دوافع الحصول على نساء أفارقة؛ لهذا خاض غزاة الكيان الرجعي البحر للأندلس ولم يكملوا طريقهم في إفريقيا لنشر الدين.
وتصل المبالغات مستوى الأكاذيب في تصوير غزوات الكيان الرجعي كنماذج عليا ملائكية للرحمة والإنسانية، والوقائع التاريخية تثبت من خلال كتب الرجعية الدينية ذاتها المدى الدموي الرهيب لهذه الغزوات، خاصة في بلاد فارس والهند وشمال إفريقيا. ويضيق المجال عن التفاصيل. الخلاصة أنها كانت كغيرها من الصراعات، وقد حفلت بالكثير من التجاوزات، والأخطاء الدموية، ولا شيء يدعم الزعم بأفضليتها على الإطلاق إلا التحيّز بالعصبية العقائدية المميزة للرجعية الدينية.
ويقال إن الغزاة _الموصوفين رجعيًا بالفاتحين_ كانوا فقط يحتلون البلاد، ولا يرغمون أهلها على اعتناق الإسلام؛ وإنما يأخذون الجزية مقابل حماية الشعوب المحتلة، وهذا منطق فاسد، شبيه بالزعم أنه من قبيل حرية الاختيار أن يضع أحدهم فوهة البندقية في رأس غيره ويخيره بين اعتناق دين ما أو الدفع. وليس هذا سوى بلطجة. وحين يفرض البلطجي إتاوة على الناس فهو يزعم حمايتهم، ممن؟ من أذاه هو نفسه!. مثل ذلك الزعم الرجعي بعدم الإجبار في دخول الدين يتوافق مع توهم وجود حرية اختيار مع وجود الجنة والنار، يعني الاختيار الإجباري بين أمرين لا فكاك من أحدهما؛ إما عذاب رهيب أو نعيم مقيم؟! إنه التكامل والهارموني بين أجزاء المنظومة الرجعية، فالفرد الذي يمكنه الاعتقاد أن هذه حرية اختيار يسهل إقناعه بالغزو وتخيير الناس بين الدخول في الدين والقتال والجزية، كما يسهل عليه التفكير والممارسة على مثل ذلك النمط في تفاصيل الحياة اليومية.
وفي شأن مصر تحديدًا، أي دين أتى عمرو ابن العاص لنشره؟! هل كان يعرف الإسلام حقًا وقد دخله مضطرًا حين غُلِب على أمره في أوآخر حياة النبي؟! حتى القرآن نفسه لم يكن قد تم جمعه، وبالطبع لم تكن الأحاديث قد دونت. ولعمر ابن الخطاب مقولة شهيرة: "لتخرب مصر في سبيل عمران المدينة". وفيما بعد عزل عثمان ابن عفان عمرو ابن العاص، وولى عبد الله ابن أبي السرح على مصر، وخُير عمرو أن يكون قائدا للجيش تحت أمر ابن أبى السرح، ورفض قائلًا: "أنا أمسك البقرة من قرونها، وابن أبى السرح يحلبها"، هكذا نظر قدماء شبه جزيرة العرب لمصر الحلوب. جمع ابن أبى السرح من أهل مصر أربعة أضعاف ما كان يجمعه عمرو، وعاير عثمان عمرو قائلًا: "درت ألبانها" ورد عليه عمرو: "ذاك بما أعجفتم أولادها." أي بما أثقلتم عليهم حتى صاروا عجافًا. وفُرضت الجزية على من أسلم من الاقباط حتى ألغى ذلك الخليفة الأموي عمر ابن عبد العزيز الذي قال إن الله "أرسل محمدًا رسولًا ولم يرسله جابيًا". وياله من اكتشاف لم يحدث إلا بعد وفرة الأموال نتيجة كثرة البلاد المحتلة رجعيًا. قبل ذلك لم يهتم الغزاة بالدعوة للدين الجديد، فالجزية هي الهدف ودخول الناس في الإسلام يقللها، والآن يتاجر علينا حملة العقل الرجعي فيردون للتسامح من الغزاة الزعم بمرور قرنين أو ثلاثة من استيلاء الغزاة العرب على مصر حتى تعربنت، وزاد عدد المسلمين من أهلها على غيرهم.
والأكاذيب الرجعية مركبة يشد بعضها بعضًا كالبنيان المرصوص، فيقال حضر الغزاة بقيادة عمرو ابن العاص لتخليص المصريين من الاضطهاد الروماني، بل يقال بطلب من المصريين أنفسهم!! ويكاد التهافت البين هنا لا يحتاج للرد، وهو كلام مرسل بلا دليل، ولو كان الغزاة العرب جاءوا لتحرير المصريين من الرومان فلماذا بقوا بعد ذلك؟! ولماذا نهبوا ثروات البلاد بلا هوادة لإطعام جياع شبه جزيرة العرب؟! كم من بلطجي تاريخي حل بمصر، أتى الهكسوس والفرس والإسكندر والبطالمة والرومان، وتملق الاسكندر ونابليون دين المصريين، وحدهم العرب استغلوا الدين؛ حمَّلوا مفاهيمهم على المقدس الذي احتلوا به العقل المصري، واستلبوا كل شيء وصادروه من الداخل لصالح الكيان الرجعي، هذا يمكن اعتباره أكبر السرقات في التاريخ، ومن المفاهيم التي جاءوا بها مفهوم البلطجة ذاته، والذي باستعماله جعلوا الجزية أو الإتاوة من الأحكام الدينية.
والآن لا حاجة لدين إلى القوة كي ينتشر، السماوات مفتوحة، ولكل أن يدعو لدينه، ويتقبل دعوة الآخرين لأديانهم، هذا منطق العصر، أما منطق الرجعية الدينية فإنه ثابت على ما كان، ويؤسس وجوده على منظومة مفاهيم متكاملة منها الخلط بين نشر الدين، والغزو واحتلال البلاد بزعم الجهاد في سبيل الله، وهذا من أسس الإرهاب الدموي الحديث.
الأساس نفسه هو الذي جعل الرجعي بطبعه يسمي الاحتلال العثماني بالفتح العثماني، وقد قبله لقرون طويلة للغاية بينما انتفض لطرد الفرنسيين في 3 سنوات؛ لأن الدين هو الحساس، العرق الذي إن أمسكت به استعبدت حملة الرجعي بطبعه واستعملتهم كيف شئت وفيما شئت.
2 تعليقات
https://job-sa.com/
ردحذفhttps://www.arabsexegypt.space/
ردحذف